في عالم كرة القدم، هناك لاعبون تصنعهم الأهداف والمهارات، وآخرون تصنعهم الروح، الذكاء، والانضباط.
النجم الجزائري إسماعيل بن ناصر ينتمي إلى الفئة الثانية… فئة اللاعبين الذين يبنون مجدهم بصمت، ويقودون من الظل.
النشأة والبدايات: موهبة هادئة من أصول مغاربية
وُلد إسماعيل بن ناصر في 1 ديسمبر 1997 بمدينة آرل الفرنسية، لأب مغربي وأم جزائرية من ولاية تلمسان.
نشأ في حي متواضع، وبدأ لعب الكرة في شوارع المدينة قبل أن يلتحق بأكاديمية نادي آرل أفيينيون.
كان حلمه تمثيل بلد أصوله، وكان يشعر بانتماء أكبر للجزائر، رغم أنه مثّل منتخب فرنسا تحت 17 سنة لفترة قصيرة.
الانطلاقة في أوروبا: أرسنال… ثم التحوّل الحقيقي
في 2015، وقع بن ناصر لنادي أرسنال الإنجليزي، لكن مشاركاته كانت نادرة:
- لعب مباراة رسمية واحدة فقط
- تعلّم الكثير من بيئة الفريق الأول
- لم يجد فرصته بسبب كثرة النجوم في خط الوسط
ثم انتقل إلى نادي تور الفرنسي بنظام الإعارة، وهناك بدأ يظهر كلاعب وسط واعد.
لكن الانطلاقة الفعلية جاءت في إيطاليا…
إمبولي: حيث ظهر القائد لأول مرة
في 2017، تعاقد بن ناصر مع نادي إمبولي الإيطالي في الدرجة الثانية (Serie B).
ومع الفريق:
- فرض نفسه لاعبًا أساسيًا
- قاد النادي للصعود إلى Serie A
- قدّم أداءً ناضجًا يفوق عمره
- جذب اهتمام كشافي الأندية الكبرى
وأصبح يُلقب في إيطاليا بـ”المايسترو الصغير”.
كأس أمم إفريقيا 2019: البطولة التي غيّرت كل شيء
اختار بن ناصر تمثيل الجزائر دوليًا عام 2016، ورغم بداياته الهادئة، تفجّر نجمه في كأس أمم إفريقيا 2019 بمصر.
في البطولة:
- لعب جميع المباريات كأساسي
- كان قلب الفريق في خط الوسط
- قدّم تمريرات حاسمة، أبرزها في النهائي ضد السنغال
- نال جائزة أفضل لاعب في البطولة
سجّل اسمه بين أساطير الخضر رغم صغر سنه.
ميلان: من محارب إفريقي إلى نجم عالمي
بعد أمم إفريقيا، تعاقد نادي ميلان مع بن ناصر في صفقة قُدّرت بـ16 مليون يورو.
ومنذ قدومه:
- أصبح ركيزة أساسية في خط الوسط
- يجمع بين الافتكاك الدقيق والرؤية العالية
- ساعد الفريق على الفوز بالدوري الإيطالي موسم 2021-2022
- تلقى إشادة من نجوم كبار ومدربين أمثال باولو مالديني وبيولي
كان يُوصف بأنه “الرئة” التي يتنفس بها وسط ميلان.
أسلوب اللعب: قاطع كرات فني
بن ناصر ليس مجرد لاعب ارتكاز دفاعي… بل:
- يقرأ اللعب بشكل ذكي
- يجيد التمرير القصير والطويل
- لا يخشى الالتحام
- يلعب برجولة وهدوء في آنٍ واحد
- يُجيد الانتقال من الدفاع للهجوم بسلاسة
أشبه بلاعب مثل نغولو كانتي، لكن مع لمسة فنية أكثر.
الإصابات: التحدي الأكبر
في عام 2023، تعرّض بن ناصر لإصابة قوية في الركبة (غضروف مفصلي)، خضع بسببها لعملية جراحية، وغاب عدة أشهر.
- شكّلت ضربة قوية له ولميلان
- لكنّه عاد تدريجيًا
- وصرّح: “لن أستسلم… وسأعود أقوى مما كنت.”
إرادته القوية جعلت الجماهير تُحبّه أكثر.
الشخصية خارج الملعب
رغم النجومية، لا يزال بن ناصر:
- متواضعًا في ظهوره الإعلامي
- قريبًا من عائلته وجمهوره
- مسلمًا ملتزمًا بقيمه
- يتحدّث دائمًا عن فخره بأصوله الجزائرية
كما أنه يتواصل بالفرنسية والعربية، ويُظهر احترامًا كبيرًا لتقاليد بلده.
المستقبل: هل نراه في نادٍ أكبر؟
مع عودته من الإصابة، بدأت الشائعات تتحدث عن اهتمام أندية مثل:
- برشلونة
- باريس سان جيرمان
- مانشستر يونايتد
لكن بن ناصر يُركز حاليًا على استعادة لياقته ومساعدة ميلان.
وفي كل الأحوال، هو مرشح ليكون أحد قادة منتخب الجزائر في المرحلة القادمة، خاصة مع اقتراب اعتزال محرز وسليماني.
الخلاصة: بطل هادئ بصوت أفعاله
إسماعيل بن ناصر ليس من أولئك الذين يملؤون العناوين، بل هو من يصنع الفارق على أرضية الملعب دون ضجيج.
لاعب مثالي، قائد بالفطرة، ومحارب حقيقي…
لا يمثل فقط الجزائر، بل يُجسّد صورة اللاعب العربي المتكامل في العصر الحديث.