رايس مبولحي… حارس الأساطير الذي ترجّل بصمت

رايس مبولحي… حارس الأساطير الذي ترجّل بصمت

في لحظة مؤثرة، أعلن رايس وهاب مبولحي، الحارس الأسطوري للمنتخب الجزائري، استقالته من المنتخب الوطني واعتزاله اللعب الدولي، ليضع نقطة النهاية لمسيرة دامت أكثر من عقد من الزمن، زينت فيها يداه مرمى “الخُضر” بأمان، وشكّلت فيها تصدياته قصصاً تُروى للأجيال.

القرار لم يكن صدمة بقدر ما كان علامة على نهاية مرحلة تاريخية، كتبت فيها الجزائر فصولًا ذهبية كان مبولحي أحد أبرز أبطالها.

لحظة الاعتزال: نهاية بلا ضجيج

بعيدًا عن الأضواء، وبنبرة هادئة، أكد مبولحي في تصريح صحفي منتصف 2024 أنه قرر التوقف عن تمثيل المنتخب الوطني الجزائري.
قال بكلمات مختصرة:

“أشعر أنني قدّمت كل ما أستطيع، وآن الأوان لمنح الفرصة للجيل الجديد.”

تصريح لم يكن مفاجئًا تمامًا، خاصة بعد غيابه عن بعض المعسكرات الأخيرة، لكن صداه كان عميقًا في قلوب الملايين.

من باريس إلى المجد مع الخُضر

ولد مبولحي في باريس عام 1986 لأب كونغولي وأم جزائرية، وكان يمكن له أن يختار اللعب لفرنسا أو الكونغو، لكنه اختار الجزائر، قلبًا وروحًا.

رغم بداياته المتواضعة في أندية أوروبية صغيرة (مثل مرسيليا وغازيليك أجاكسيو)، خطف الأنظار في مونديال 2010 عندما استُدعي بشكل مفاجئ لتعويض الحارس الأساسي فوزي شاوشي.

ومنذ تلك اللحظة، بدأ فصل جديد في تاريخ حراسة المرمى الجزائرية.

كأس العالم 2010: البداية المدوية

في جنوب إفريقيا، أبهر مبولحي العالم بأداء بطولي أمام إنجلترا (0-0)، حيث وقف سداً منيعًا أمام واين روني وفرانك لامبارد، وفرض اسمه على الساحة الدولية رغم أنه كان مجهولًا قبل البطولة.

نال إشادة واسعة من الإعلام الدولي، حتى أن صحيفة “الغارديان” وصفته بأنه “الحارس الذي ظهر من الظل”.

كأس العالم 2014: الذروة التاريخية

لكن المجد الحقيقي جاء في مونديال البرازيل 2014، حين تأهلت الجزائر لأول مرة إلى دور الـ16 من كأس العالم.

  • تألقه أمام كوريا الجنوبية وروسيا ساعد في التأهل
  • مباراته التاريخية ضد ألمانيا كانت ملحمة بطولية، حيث تصدى لعشرات الكرات، ودخل قلوب كل العرب

حتى المدرب يواكيم لوف صرّح بعد اللقاء:

“لم نواجه حارسًا بهذا الأداء منذ وقت طويل.”

أداء مبولحي في تلك المباراة لا يزال يُعرض حتى اليوم في تقارير الفيفا كواحد من أفضل مباريات حارس مرمى في تاريخ المونديال.

كأس إفريقيا 2019: تتويج مستحق

رغم بعض التذبذب في السنوات التالية، عاد مبولحي في كأس أمم إفريقيا 2019 بمصر ليؤكد أنه حارس المواعيد الكبرى:

  • قدّم أداءً استثنائيًا أمام كوت ديفوار ونيجيريا
  • أنقذ الجزائر في أكثر من لحظة حاسمة
  • توج مجهوده بالتتويج القاري مع زملائه بقيادة جمال بلماضي

نال جائزة أفضل حارس في البطولة، وكان صوته الخافت وروحه القتالية مصدر طمأنينة للدفاع الجزائري.

لماذا قرر الاعتزال؟

قرار الاعتزال لم يكن مفاجئًا تمامًا، ووراءه عدة أسباب:

  1. تقدمه في السن (مواليد 1986، بلغ 38 عامًا)
  2. الرغبة في إفساح المجال للجيل الجديد، مثل أنتوني ماندريا وألكسندر أوكيجة
  3. تراجع مشاركاته مع الأندية بعد تجاربه في السعودية وقطر
  4. التغيرات في اختيارات الجهاز الفني بقيادة بلماضي في آخر أيامه، وبعده المدرب الجديد

لكن الأكيد أن مبولحي أراد أن يرحل وهو في القمة، دون أن يُجبر على الاعتزال تحت ضغط.

الأرقام لا تكذب

  • 89 مباراة دولية مع المنتخب
  • شارك في 4 كؤوس أمم إفريقيا
  • لعب في 2 كأس عالم
  • بطولة واحدة قارية (2019)
  • أكثر من 300 مباراة في مسيرته الاحترافية
  • لعب في فرنسا، بلغاريا، روسيا، السعودية، تركيا، والجزائر

شخصية استثنائية في الميدان

ما ميّز مبولحي لم يكن فقط تصدياته، بل:

  • هدوؤه الكبير تحت الضغط
  • قيادته الصامتة للدفاع
  • تواضعه رغم النجومية
  • ولاؤه للمنتخب رغم تواجده بعيدًا عن الجزائر معظم حياته

كان الحارس الذي لا يصرخ كثيرًا، لكنه يُلهم الجميع بثباته.

مقالات ذات صلة