فينيسيوس جونيور: حين ترقص الكرة على نغمة من ريو إلى مدريد

فينيسيوس جونيور: حين ترقص الكرة على نغمة من ريو إلى مدريد

كرة القدم لطالما كانت فناً في البرازيل، لكن فينيسيوس جونيور أضاف إليها عنصراً جديداً: الإصرار القاتل داخل الجمال. في عالم امتلأ بالسرعة والتكتيك، عاد هو ليذكّرنا بأن الكرة يمكن أن ترقص، لكنها ستقتلك إن تهاونت أمامها.

الطفولة: بين الحلم والضجيج

وُلد فينيسيوس جونيور في 12 يوليو 2000 في مدينة ساو غونزالو البرازيلية، إحدى ضواحي ريو دي جانيرو. لم يكن الحي مرفّهًا، لكن الحلم كان واضحًا: كرة القدم أو لا شيء. وفي شوارع الحي، بدأ الطفل الأسمر النحيل يروّض الكرة وكأنها امتداد لجسده.

انضم في عمر السابعة إلى أكاديمية فلامنغو، وهناك بدأت أولى الملامح تظهر:
لاعب يراوغ، يسقط، ينهض، يعود، يراوغ مجددًا، وكأنه لا يتقبل فكرة التوقف.

فلامنغو وولادة الموهبة

لم ينتظر فينيسيوس طويلًا ليصعد للفريق الأول. أول لمسة له في الدوري البرازيلي كانت بمثابة احتكاك كهربائي. الجماهير لاحظت أن هذا اللاعب لا يخاف، بل يتحدى. مراوغة، تسارع، ثقة مفرطة… لكن أيضًا لمسة فوضى.

في سن الـ16 فقط، وقع مع ريال مدريد مقابل 45 مليون يورو، ليغادر بعد عام نحو العاصمة الإسبانية… وهناك، بدأت الحكاية الأهم.

مدريد: بداية مشوشة، ونضج بطيء

وصل فينيسيوس إلى مدريد سنة 2018 وسط ضجة إعلامية ضخمة، لكنه اصطدم بجدار الواقع الأوروبي:

  • دفاعات أكثر صلابة
  • جماهير لا ترحم
  • صحافة لا تنسى الفرص الضائعة

وفي البداية، لم يكن محبوبًا. عانى من كثرة إهدار الفرص، ومن ضعف في اللمسة الأخيرة. الإعلام الإسباني وصفه بأنه “لاعب يستحق الرؤية… لا الثقة”.

لكن شيئًا ما كان ينضج داخله. كان يتمرّن، يصمت، يُقاتل. كل هجمة ضائعة كانت بالنسبة له درسًا، لا فشلاً.
كان فينيسيوس يتطوّر بعيدًا عن الأضواء، ينحت نفسه مثل تمثال من الرخام الخام.

التحول: أنشيلوتي وولادة القاتل

حين عاد المدرب كارلو أنشيلوتي لريال مدريد، كانت أول قراراته:

“اجعلوا فينيسيوس يهاجم بحرية.”

ومن هنا، تفجّر اللاعب. أصبح جناحًا لا يُمكن إيقافه:

  • يُراوغ المدافعين وكأنهم أقماع تدريب
  • يصنع الفرص من لا شيء
  • يسجل أهدافًا حاسمة، ويتطور في التوقيت

وكانت نقطة التحول الحقيقية في نهائي دوري أبطال أوروبا 2022، حين سجل هدف الفوز على ليفربول.
في ذلك اليوم، لم يكن مجرد جناحٍ موهوب… بل صانع مجد.

فينيسيوس الجديد: أكثر من جناح

النسخة الأخيرة من فينيسيوس لم تعد فقط تعتمد على المهارات، بل:

  • بات يعرف متى يراوغ، ومتى يمرر
  • تطور في التمركز داخل منطقة الجزاء
  • أصبح أكثر هدوءًا في اللمسة الأخيرة
  • صار من أبرز صناع القرار داخل الملعب

ومع رحيل بنزيما، تحوّل إلى القائد الهجومي الأول للفريق.
ليس فقط بسرعته أو مهاراته، بل بشخصيته القتالية التي نضجت.

المعاناة خارج الملعب: المعركة ضد العنصرية

رغم تألقه، واجه فينيسيوس حملات عنصرية متكررة في الملاعب الإسبانية. لكن ردّه لم يكن الصمت، بل القوة.

تحدث، صرخ، فضح، وواجه… وتحول من لاعب إلى رمز.
كان يقول للعالم: “لن تكونوا قادرين على منعي من الحلم، حتى إن لم تحبوني، سأجبركم على احترامي.”

وربحت معركته احترام الملايين، وغيّرت قوانين الملاعب.

فن على العشب

ما يميّز فينيسيوس ليس فقط ما يفعله، بل كيف يفعله. كل انطلاقة من يسار الملعب تحمل توقيعاً فنياً،
كل مراوغة كأنها لقطة من كليب سامبا، وكل هدف هو رسالة:
“البرازيل لم تنتهِ، لقد عدنا.”

هو لاعب لا يُملّ من مشاهدته، لأنه يمنحك الإحساس بأن كل كرة قد تتحوّل إلى لوحة.

المستقبل: إرث يُكتب الآن

فينيسيوس يبلغ فقط 24 عامًا، لكنه بالفعل:

  • فاز بدوري الأبطال
  • أصبح ركيزة في ريال مدريد
  • نجم منتخب البرازيل القادم نحو كوبا أمريكا وكأس العالم

وما يزال في منحنى تصاعدي، كأن سقفه أبعد من النجوم.

الختام: حين تتحول الشوارع إلى مجد أوروبي

فينيسيوس جونيور ليس فقط لاعب كرة قدم. هو تمثيل حي لفكرة أن الإبداع لا يموت إذا وُجد الإيمان.
بدأ في أزقة فقيرة، رُفض في بداياته، سُخر منه كثيرًا… لكنه لم يتوقف. والآن؟

هو أحد أفضل اللاعبين في العالم، وأخطر جناح في أوروبا، والوجه الحقيقي لريال مدريد القادم.

حين تُشاهد فينيسيوس، فأنت لا ترى لاعبًا فقط.
بل ترى كل طفل حلم في أزقة ريو، وأصرّ حتى صنع المجد في مدريد.

مقالات ذات صلة